مــــــــــهـــــــدي عــــــــامــــــل

صفحة تختص بالمفكر الماركسي الشهيد مهدي عامل

“مهدي عامل”: شهيد الحقيقة الثورية


سمير دياب/ مهدي عامل شهيد الحقيقة الثورية

“مهدي عامل”

شهيد الحقيقة الثورية

سمير دياب

لا كلام، حالي، يضاف الى كلام الرفيق “مهدي عامل” حول ما قدمه في ثلاثيته النحتية الاخيرة للمسألة اللبنانية: المنحوتة الاولى؛ كتاب “النظرية في الممارسة السياسية- بحث في أسباب الحرب الأهلية في لبنان”. والثانية في كتاب “مدخل الى نقض الفكر الطائفي” . والثالثة كتاب ” في الدولة الطائفية”، وهو “زبدة” الكلام السجالي- النقدي – المعرفي الذي وضع فيه حداً معرفياً فاصلاً بين الفكر البرجوازي الطائفي المسيطر، والفكر الثوري النقيض. ويبدو ان هذا الحد المعرفي الثوري الفاصل، كان حاداً وفاصلاً عند ظلامية الفكر الطائفي في إتخاذ قرار إعدام الكلمة الحرة، واغتيال الفكر الثوري الإنساني . إنطلقت الرصاصات الطائفية ومارست حقدها التاريخي ضد التحرر الاجتماعي والسياسي والفكري. ومات الشهيد. لكن فاتها، أن مفهوم التحرر مرتبط بالحرية، والحرية لن تركع، والفكر الثوري لن يموت.

الشهيد “مهدي عامل”، إنطلق في منحوتاته الفكرية- البحثية، يفتش عن الحقيقة الثورية، فأخضع الفكر للنقد، ثم حدد مسار نقد الفكر بطبيعة الممارسة التي يقوم عليها هذا الفكر. شكـّل هذا أساساً لمنطلق البحث عن الحقيقة التاريخية في حقل الصراع الطبقي. وفي رحلة البحث هذه، ودورانها، كحركة تفكير لإكتشاف الواقع، ميز مهدي عامل، بين نوعين من الممارسة في الفكر: الممارسة الأيديولوجية –السياسية والممارسة النظرية، لإعتباره أن لكل منهما منطق تطورها الخاص. محدداً الاختلاف بين ممارسة الفكر الماركسي عن ممارسة الفكر البرجوازي، بسببين رئيسيين: الاول، وعيها بأسس النظرية الماركسية ومضامينها. والثاني، قدرتها على تعرية المنطق البرجوازي، وممارساته، وخفايا مصالحه. وهذا يعني قدرة هذا الفكر على كشف الحقيقة الموضوعية، في شروط محددة، أي، الصراع من اجل الحقيقة التاريخية .

من هذا التمايز، دخل المفكر “مهدي عامل” الى مختبر تشريح”مسألة الطائفية في لبنان”. متناولا المفهومين: البرجوازي ونقيضه الثوري.

في تشريحه للمفهوم البرجوازي عام 1986، حلل “مهدي”- كأنه يحلل اليوم، الآن- بنية وطبيعة الطبقة البرجوازية اللبنانية التي رأت انه في خلق توازن نظام حكم الطوائف ـ تقوم دولتها، وتدوم به، فإذا اختل، تهددت الدولة، او تفككت، فتعطل دورها في إدارة مصالح الطوائف وتأبيد حكمها. عندها يدخل المجتمع في ازمة تعايش بين الطوائف: إما استقلال لكل طائفة بحكمها الذاتي؛ وإما عودة الى المشاركة. واستخلص مهدي ان تحديد “الطائفة” في المفهوم البرجوازي انها كيان مستقل في ذاته، متماسك بلحمته الداخلية، لذا وصل الى قناعة أن العلاقة بين الطوائف علاقة خارجية، ولا وحدة بينها سوى ما تقيمه الدولة من أطر لتعايشها السلمي.

هذا التحليل أصاب في الصميم. فالطبقة البرجوازية الطائفية لم تبدل تبديلاً، قبل وبعد، إتفاق الطائف 1989، والتحرير عام 2000، وإنقسامها الى كتلتين آذاريتين 2005، وإنتصار تموز 2006، وبعد حكومة الوحدة الوطنية، وبعد الانقلاب على بعضها وتبدل الاكثريات، ولحد مناكفاتها وخلافاتها حول تشكيل الحكومة المفترضة وتداعيات ذلك على الوطن والمواطن. لأنها طبقة برجوازية تبعية طائفية، لا تملك صفة من صفات البرجوازية الوطنية الثورية. وبالتالي لن تـُقدم على بناء دولة وطنية.

اما “الطائفية” في المفهوم النقيض، فحدده بالشكل التاريخي للنظام السياسي الذي تمارس فيه البرجوازية سيطرتها الطبقية، بمعنى تحديد التناغم بين هذا النظام السياسي، وبين شكله التاريخي- الطائفي، وعلاقة التلازم البنيوية القائمة بينهما.

من هنا، خلٌص، الى المفهوم القائل بأن “الشكل الطائفي” ممكن له إقامة دولة برجوازية، لأن هذا الشكل ، يسمح للبرجوازية بالتحكم في مجرى الصراع الطبقي عن طريق ابقاء الطبقات الكادحة فيه أسيرة علاقة من التبعية الطبقية، وهي بالتحديد علاقة تمثيل طائفي تربط الطبقات بممثليها الطائفيين من البرجوازية اللبنانية ربطاً تفقد به وجودها السياسي كقوة مستقلة، لتكتسب وجوداً آخر، هو وجودها كطوائف. بحيث تفقد الطبقة الكادحة قوتها الطبقية المناهضة للبرجوازية. وهذا ما يوفر للبرجوازية ديمومة السيطرة الطبقية، عبر تأمينه التجدد لنظامها الطائفي (أكان من خلال قانون الانتخاب، الأحوال الشخصية، التعليم، الثقافة…الخ) الذي هو أساس في نظام سيطرتها الطبقية الطائفية. وأساس لوجودها كدولة طبقية برجوازية.

تطرق “مهدي” الى الحلول، وفند الحل تلو الآخر، من وهمية “المشاركة” الطائفية في السلطة التي يستتبعها استحالة قيام الدولة. ثم وهمية التوزان الطائفي، الى أي إصلاح يقوم على تنازل طائفة مهيمنة لطائفة مغبونة، أو حتى الإصلاح الذي تبادر اليه البرجوزاية من موقع قوة في علاقتها بنقيضها الطائفي ومن موقع وجودها في السلطة. وأستخلص أن الاصلاح الحقيقي هو الذي تفرضه على البرجوازية القوى الثورية المناهضة لها.

الشهيد مهدي عامل، بحث ثم اعاد البحث في عمق حركة التناقضات، وهو يجدُ في أبحاثه النظرية ومخاطراته المعرفية العلمية، سأل، قبل لحظات من اغتياله في الثامن عشر من أيار عام 1987، هل نحن في زمن الإنتقال من مرحلة الى مرحلة .. لكننا لم نسمع بعدها جوابه القطعي، كما لا يستطيع هو أن يسمع جوابنا العملي اليوم، لأن الفكر الطائفي خاف يومها مما سيحمله الصراع الطبقي من إجابة صحيحة على السؤال، فقطع الطريق على سيرورة الجواب، وصيره باتجاه آخر هو اتجاه طمس حقيقته. وهذا بالتحديد ما كشفه، وهذا ما برع في تفنيده للنصوص التي فككها، وأعاد تركيبها، بلغته وأسلوبه، ونقده الثوري، ومن خلفية فكر ماركسي ينتج الواقع في إنتاج هذا الواقع له. فأقام ثورة في الفكر التحرري، وتفاءل بالمرحلة والحزب والمقاومة والنضال الوطني.. لكن ثورة الفكر المضادة كانت له، وقبله، لشيخ “النزعات المادية في الفلسفة العربية – الاسلامية” المفكر حسين مروة، ولحزبهما الشيوعي بالمرصاد.

الدكتور حسن حمدان الاكاديمي الجامعي ، المفكر” مهدي عامل”، المناضل الشيوعي والمقاوم الوطني والقومي والاممي الرفيق “طارق”. هو ذاته، جسّدَ في كتاباته فكره الثوري، ومارس في نضاله ثوريته الفكرية. بإختصار، هو نموذج المثقف الشيوعي الثوري الذي لا بد منه في زماننا هذا. الزمن المنفتح على تفاؤل المرحلة المفعمة بالثورات الشعبية العربية، لكن بغياب القيادة الثورية لحركة التحرر الوطني العربية.

رفيق “طارق” أعذر، غفوتنا المؤقتة. وصبراً علينا، فأنت لم تحجب الحقيقة الثورية يوماً، وحزبك الشيوعي على درب الفكر والنضال لسطوع شمس هذه الحقيقة ذاتها، ودوما.

أضف تعليق