مــــــــــهـــــــدي عــــــــامــــــل

صفحة تختص بالمفكر الماركسي الشهيد مهدي عامل

باحثون: مهدي عامل مناضل عمل على توطين الفكر


باحثون: مهدي عامل مناضل عمل على توطين الفكر

الذكرى الثالثة والعشرون لاغتيال مفكر سياسي حاول اكتشاف جذور المادية التاريخية في التراث العربي

عزيزة علي

http://www.alghad.com/index.php/article/380184.html

عمان – في الثامن عشر من أيار العام 1987 اغتيل في أحد شوارع بيروت المفكر والفيلسوف والسياسي الوطني العلماني اللبناني د. حسن عبدالله حمدان المعروف باسم “مهدي عامل”، وهو في طريقه إلى الجامعة اللبنانية، حيث كان يدرس مواد الفلسفة والسياسة والمنهجيات في معهد العلوم الاجتماعية.

ولد مهدي عامل في بيروت العام 1936، وتلقى تعليمه في بلدة حاروف الجنوبية قضاء النبطية، وفي مدرسة المقاصد ببيروت أنهى المرحلة الثانوية، ونال شهادتي الليسانس والدكتوراه في الفلسفة من جامعة ليون الفرنسية.

درس عامل مادة الفلسفة بدار المعلمين بقسنطينة “الجزائر”، ثم في ثانوية صيدا الرسمية للبنات “لبنان”، لينتقل بعدها إلى الجامعة اللبنانية معهد العلوم الاجتماعية كأستاذ متفرغ في مواد الفلسفة والسياسة والمنهجيات.

وعامل، الذي آمن بمقولته “لست مهزوما ما دمت تقاوم”، كان عضوا بارزا في اتحاد الكتّاب اللبنانيين والمجلس الثقافي اللبناني الجنوبي، ورابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، كما انتسب إلى الحزب الشيوعي اللبناني العام 1960، وانتخب عضوا في اللجنة المركزية للحزب في المؤتمر الخامس العام 1987.

صدر لعامل العديد من الأعمال الفكرية والنقدية، منها “مقدمات نظرية: دراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني”، “أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية”، “النظرية في الممارسة السياسية: بحث في أسباب الحرب الأهلية”، “مدخل إلى نقض الفكر الطائفي: القضية الفلسطينية في إيديولوجية البرجوازية اللبنانية”، “هل القلب للشرق والعقل للغرب”، “في عملية الفكر الخلدوني”، “في الدولة الطائفية”، و”نقد الفكر اليومي” وهو الكتاب الذي لم ينته.

إضافة إلى ذلك فإن له العديد من المساهمات النظرية المنشورة، فضلا عن أشعاره التي جمعها في ديوانين؛ “تقاسيم على الزمان” 1974، و”فضاء النون” 1984.

وفي ذكرى اغتياله، استعان زملاء وطلبة ومريدون لعامل بذاكرتهم، لرؤية أثر هذا المفكر في الثقافة العربية وعلى الأجيال من بعده:

غصيب: ظاهرة فريدة

الباحث والأكاديمي د. هشام غصيب رأى أن مهدي عامل كان “أهم مفكر سياسي في الوطن العربي الحديث”، لرأيه أنه “ابتكر نهجا جديدا ومحكما وصارما في تحليل الظواهر السياسية الثقافية العربية”.

وبين أن عامل حاد في ذلك عن المناهج الرومانسية العاطفية والمراوغة التي يلجأ إليها جُلّ الأكاديميين والمثقفين العرب.

وقال إن عامل “ظاهرة فريدة من نوعها في وطننا، حيث إنه حاول تحويل الحركة الشيوعية العربية، من مجرد حركة مطلبية ملحقة بغيرها وتعمل على هامش التاريخ إلى حركة تحرر قومية نهضوية شاملة تحقق مهمات النهوض الحضاري في الوطن العربي، على غرار ما حصل في روسيا والصين وفيتنام وأميركا اللاتينية.

ورأى أن عامل حاول أن يحول الحزب الشيوعي اللبناني إلى قائد لمسيرة التحرر الوطني، وأن يحوله إلى حزب جماهيري يقود كتلة تاريخية صوب التحرر والنهوض.

غصيب بين أن عامل وحسين مروة شكلا ظاهرة جديدة في هذا المضمار، إذ عملا على تقريب العلمي النقدي الرصين من حركة الشارع إلى القيادة، “فكان لا بد من تصفيتهما من جانب قوى التبعية والظلام. حتى يخلو لها الجو تماما وبالفعل فقد خلا الجو بعد استشهادهما لتحالف الليبرالية الجديدة والسلفي الديني المنغلق وإعلام الفضائيات المزورة للوعي.

وأكد أننا اليوم أحوج ما نكون إلى مشروع عامل وإلى رد الاعتبار لرؤية التحرر القومي الشامل، خصوصا في ضوء ما وصلنا إليه من قاع كان صعبا علينا حتى أن نتخيله قبل عقدين من الزمن.

دراج: الحزبي المنتج

الناقد د. فيصل دراج، يرى أن “عامل إنسان حقيقي حي مليء بالتناقضات”، لافتا إلى أن التناقضات معنى الوجود كما كان يقول عامل، إضافة إلى أنه كان أستاذا جامعيا مشغولا بالإصلاح المدرسي، ومثقفا مهووسا بمجتمع مثقف، “لا يتحدث عن الخير والشر بل عن صراع غير محسوم بين القبح والجمال”.

وقال إن عامل فيلسوف فنان عاش حياته حرّاً عفوياً متسامحاً، وحزبيا منضبطا لا يأخذ على “المركزية الديمقراطية”، إضافة إلى أنه المنظّر الماركسي، الذي أراد أن يشرح أشياء كثيرة بمفهوم “نمط الإنتاج الكولونيالي”.

وبين دراج أن عامل قام بتوزيع ذاته على أسماء ثلاثة رغبةٌ في أن يكون كما يريد أن يكون، بعيداً عن المعطى والموروث، وشوق إلى إنسان متعدد، يكره الأحادية مها كانت، أو اسماً اختارته العائلة الفرحة في ساعة الميلاد.

ورأى أن عامل، اعتقد أنّ على الماضي الظالم أن يرحل سريعاً، وأنّ يخلي مكانه لمستقبل يرى في الإنسان قيمة عليا، وأن “صراع الطبقات”، الذي لا يكون التاريخ إلاّ به، كفيل برسم الخط الفاصل بين مملكة الضرورة العمياء ومملكة الحرية، وحلمه الكبير، الذي لا يقبل بالمساومة، قاده إلى فصل دؤوب بين الصحيح والخطأ.

وبحسب دراج، فإن عامل كان يرى أنه في مقابل البرجوازية التي تسلّع البشر والأوهام تقف الطبقة العاملة التي تجسّد الحقيقة، وفي مقابل النظر البرجوازي الأيديولوجي تقوم “النظرية العلمية” التي تحمل ضمان انتصارها في اتساق علاقاتها، وأمام الأحزاب التقليدية، التي ترحّل خراباً إلى خراب، ينهض “الحزب الثوري”، الذي يجسّد العلم والثورة والانتصار.

ورأى أن جماليات عامل الذي علّم في الجزائر وتعلّم في فرنسا، تكمن في “إيمانيّته المناضلة”، التي أملت عليه طويلاً أن يوحّد بين هويته الإنسانية والتزامه الفكري، كما لو كان التحزّب هو الوجود، والوجود الحقيقي هو التحزّب الحقيقي.

اطمأن عامل، بحسب دراج، إلى حلم إنسان قديم بالعدالة والمساواة، واطمأن أكثر إلى ثقافة إنسانية متحزّبة انتمى إليها جورج لوكاتش وأنطونيو غرامشي وفالتر بنيامين وغيرهم.

وبين أنه لم يكن السرّ في الحزب، القابل دائماً للموت والانبعاث، بل في “الحزبيّ المتمرّد”، الذي أراد أن يكون حزبياً ومستقلاً عن حزبه في آن.

وأشار إلى أنه بسبب ذلك جاء عامل بنظريته “نمط الإنتاج الكولونيالي”، التي تشير إلى “برجوازية كولونيالية”، تؤمّن بالتبعية والاستبداد والتخلّف، فتنقضها “طبقة ثورية” تحقّق التحرّر الوطني والتحرّر الاجتماعي معاً.

ولفت دراج إلى أنه سواء قبل القارئ بما جاء به مهدي أو اختلف معه، فقد كان له فضيلة إثارة الحوار وإقلاق الإيمانية المتكلّسة، وأن نزوع عامل إلى التجديد أتاح له أن يقدّم اجتهاداً لامعاً في موضوع “الطائفية”، التي رأى علاقة سياسية – طبقية، ذلك أنّ الطبقات المسيطرة لا تستطيع إحكام سيطرتها، كما تجديد هذه السيطرة، إلاّ إذا استبدلت بالطبقات الاجتماعية “الطوائف الدينية” مصيّرة “الصراع الاجتماعي إلى طائفي”. حيث لكل طائفة ما يمثّلها سياسياً، وحيث على التحالف الحاكم، وهو تحالف سياسي، أن يختزل العلاقات الاجتماعية – الطبقية إلى علاقات طائفية.

وقال إنه بالإضافة إلى المنظور السياسي الذي لا يفسّر الأخلاق بالأخلاق ولا الانغلاق الديني بالدين، قدّم عامل دراسة رائدة في موضوع “التعليم الوطني”، الذي لا تحققه أشكال تعليمية هجينة متعددة المراجع، إذ للفقراء مدارسهم وللأغنياء مدارس أخرى، ومدارس تعلّم اللغة العربية وأخرى تستهين بها وتحتفي باللغات الأجنبية.

ونوه دراج إلى سؤال عامل الدائم وهو: كيف تبني مجتمعاً حديثاً ينقض تقسيمات اجتماعية ما قبل – حداثية، وكيف تبني مجتمعاً وطنياً موّحداً بمدارس متكاملة المناهج واللغات؟ لافتا إلى أنه في هذه الأسئلة كان مهدي يغرّد خارج سربه، رافضاً، ومبتعداً الابتعاد كله عن “ماركسية الرفاق الكبار”، مبرهناً أن الصغير قد يكون أكثر نجابة من الكبير.

ورأى دراج أن عامل في ابتعاده المزدوج كان يمارس التحزّب كمسؤولية أخلاقية، والانضباط الحزبي كمسؤولية معرفية، قبل أن يأتي زمن يحتفظ بالشعارات ويرمي بالمسؤوليتين إلى الهاوية، كيف تكون حزبياً منتجاً، وكيف تكون وطنياً جذرياً وحزبياً منضبطاً؟

حاول عامل في ممارسته النظرية والعملية، وفق دراج، أن يجيب عن السؤالين، وأن يعطيهما جواباً صحيحاً، قدر ما استطاع. فقد قاده الهاجس الوطني، وهو يقرأ الماركسية، إلى الحديث عن الكونية والتميّز، حيث “النظرية العامة” لا معنى لها إلاّ في تمييزها، أي في تطبيقها على شرط محدّد، يختلف تاريخه عن تاريخ غيره من المجتمعات.

بعلبكي: صاحب النظرية الحية

أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية، ورفيق مهدي عامل في الحقل الفكري د. أحمد بعلبكي قال إن أطروحات عامل كانت تتطابق مع فضاء منظومة من القيم والمفاهيم التي ترتكز إلى نظرية التاريخية، هذه النظرية التي حاول عامل مجتهدا توطينها لفهم إمكانات وآفاق التغيير المطروح أمام حركة التحرر العربية بشكل خاص.

وأكد أن عامل في هذا النهج شكل مرجعا من رواد هذا التوطين، ولذلك كانت أطروحاته النظرية في الانتقال إلى الحكومة الوطنية ثم الحكومة الاشتراكية مثّل مرجعا ساجل معه الباحثون من كل التيارات النظرية المختلفة مع الجدلية التاريخية، فضلا عن المناضلين من ضمن أفاقهم النظرية في التوطين للفكر الاشتراكي.

وقال “كدنا لا نرى بحثا أو أطروحة في الدكتوراه في الكثير من البلاد العربية لا تناقش أو تتساجل مع عامل، وقد لاحظت ذلك في إحدى الجامعات في المغرب العربي حيث فاجأنا بعض طلاب الدراسات العليا باستلهامهم تلك المحاولات النظرية”.

ورأى أن ذلك لا يعني أن هذه المرجعية التي بلغها عامل في إطار منظومة فكرية ومفهومية كانت ملازمة لو ضاع النظام العالمي المتعدد الأقطاب والحرب الباردة، مبينا الصدفة التاريخية في أن عامل اغتيل فعلا قبل انهيار الاتحاد السوفيتي وانهيار هذه الجبهة العالمية التي كان يجتهد في التنظير إلى مسارها وتحولها.

وأشار إلى أنه بعد اغتيال عامل وانهيار الجبهة الاشتراكية، فإن نظريته لم تذهب، بل اننا اليوم بحاجة إلى أمثال عامل لأن الباحث القادر على التنظير، هو القادر على نقد وتجاوز نظريته.

وانتقد بعلبكي من يقول إن نظرية عامل ذهبت مع زمن الحرب الباردة. وقال “نحن نقول إن أمثال عامل يفترض بهم أن يكونوا على قدر من المسؤولية النظرية التاريخية، في تبصر لمنظومة متجددة من القيم والمفاهيم في عصر النيوليبرالي التي لم يتسن لمهدي أن يفكك منظومتها القائمة على الاستغلال”.

وبين أن عامل كان منظرا ومناضلا متفائلا، وكان يرى أن الطبقة العاملة ما هي عليه بذاتها وليس ما هي عليه لذاتها، وهذا طبع كل المناضلين المتفائلين في التغيير.

وقال بعلبكي إننا نبحث في هذا العصر عن منظرين يوطنون لاشكال المواجهة مع الليبرالية الجديدة.

بني ياسين: معضلة توطين الماركسية

الباحث ضرار بني ياسين قال إن عامل يعدّ من ابرز المنظرين الماركسيين العرب بوجه عام والشيوعيين اللبنانيين بوجه خاص لجهة تمسكه بالنظرية الماركسية.

وبين أن عامل آمن بالنظرية الماركسية وبحتمية انتصارها لسببين؛ أولا علميتها، أي بوصفها نظرية علمية بامتياز تفسر تكوّن وتشكل الظواهر الاجتماعية وتحولاتها، وثانيا بوصفها معتمدة على الكونية والعالمية.

ورأى بني ياسين أن عامل قدّم منذ سبعينيات القرن العشرين مشروعا فلسفيا يقوم على نظريته في التحرر، فانصرف إلى الاشتغال النظري، وكتب عن نمط الإنتاج الكولونيالي الذي يعمل على إعادة إنتاج أنظمة تعترف بمصالح الكون كله ولا تعترف بمصالح شعوبها.

وقال إنه في الثمانينيات حين كانت قوى التحرر العربية تطرق أبواب التداعى الأخير، آثر عامل أن يوازي بين النظرية والتبشير، وأن يجعل من المثقف العضوي مثقفا رسوليا تجاه القضايا التي يؤمن بها.

وفي مشروعه الفكري، بحسب بني ياسين، كان يعي ما يواجه الماركسية من تحديات في العالم العربي، ربما كان في مقدمتها تحديان كبيران؛ الأول يتمثل بعملية توطين الماركسية عربيا، وذلك في سياق الإجابة عن مشكلات الواقع العربي وعبر حوار مفتوح مع التيارات الفكرية الأخرى، وهذه المسألة تظهر في كتابه “نقد الفكر اليومي”، أما التحدي الثاني، فهو مواجهة النظريات والإيديولوجيات المناهضة للماركسية في البلدان العربية.

وأكد بني ياسين أن عامل أدرك أن الماركسية واجهت عبر ممثليها العرب من سياسيين ونظريين سؤالا كبيرا دالا: هل سيكون هنالك في المجتمع العربي من يملك القدرة الإبداعية لجعل الماركسية فكرا قادرا على طرح الأسئلة الرئيسية من موقع الخصوصية، أو خصوصية المجتمع العربي؟

وبين أن التحدي كان يقوم أساسا على تقديم أجوبة يتأسس عليها فهم معين في صوغ موقف نقدي ودقيق من مشكلاته وقضاياه وآفاقه.

ورأى أن ذلك جعل مهدي عامل يناضل على جبهتين؛ التوطين الجدلي التاريخي المادي للماركسية، ومن ثم القيام بمشروع عملي للبحث في الفكر اليومي من موقع نقد ذلك الفكر.

الشوبكي: تكييف الأفكار

الباحث د. جاسر الشوبكي، أكد أن الماركسية التي طرحها ماركس كانت تتعامل مع مجتمعات صناعية في أوروبا وتتحدث عن الصراع بين الطبقات المختلفة داخل المجتمع.

لكن القضية بالنسبة إلى العالم الثالث، خصوصا الوطن العربي، بحسب الشوبكي، كانت تواجه بمشكلتين؛ الاستعمار، وعدم وجود مجتمعات صناعية حتى يكون هناك فرز طبقي واضح.

ورأى أنه من أجل التعامل مع هذه الأوضاع كان لا بد من تطور الرؤية الماركسية في مجتمعات العالم الثالث والعالم العربي، حيث تتصدى للاستعمار القائم وللفروق الطبقية والاقتصادية التي نشأت في ظل الاستعمار، وهي تختلف من حيث الجوهر عن الفروق الطبقية التي نشأت في المجتمعات الصناعية.

وبين الشوبكي أنه أصبح من المهم لشعوب العالم الثالث “نشوء حركات سياسية من أجل قيادة حركات تحرر وطني، للبدء في تطوير مجتمعاتها صناعيا واقتصاديا”، مشيرا إلى أن أول من التفت إلى هذه القضية كان الزعيم الصيني “ماو تسي تونغ”.

وأكد أن المجتمعات في الوطن العربي كانت تتصف في البداية بمجتمعات مستعمرة حيث كانت تقدم المواد الخام للدول التي تستعمرها وتفتح أسواقها للمنتجات الصناعية هذه الدول، فنشأت في هذه البلاد شرائح اقتصادية مرتبطة بالسوق الرأسمالي كوكلاء يعيشون على العمولات وشكلوا ما أصبح يعرف بـ”الدول القطرية”.

وأشار إلى أن الصراع في داخل دول العالم الثالث كان يتوجه إلى التعامل مع المؤسسات المحلية المرتبطة بالدول المستعمرة والاستعمار، ما جعل الأمر في غاية الصعوبة.

الشوبكي أكد أن عامل حاول التعامل مع هذه الازدواجية، ووضع مجموعة من الكتب والمقالات، وأدرك على غرار من سبقه من الماركسيين في العالم الثالث، بأن الماركسية ظهرت في العالم الصناعي وليس في العالم المتخلف اقتصاديا.

ومن هنا أكد عامل على أنه لا يمكن أخذ النصوص الجامدة من الماركسية وتطبيقها على الواقع العربي، ولذلك دعا إلى فهم الواقع أولا، ثم تكييف الأفكار التي تتناسب مع هذا الواقع وليس العكس.

وخلص إلى أن هذا ما ميز عامل عن الحركات الشيوعية الأخرى في العالم العربي، “ومن هنا كان لا بد من الخلاص منه من وجهة نظر أعدائه”.

المحيسن: الباحث في التاريخ العربي

الباحث الزميل جهاد المحيسن لفت إلى كيفية تناول عامل الفكر الخلدوني، بتطرقه إلى القضايا الإشكالية في التاريخ الإسلامي، وقدم فيه رؤيته للتاريخ الإسلامي في إطار المادية التاريخية.

وعزا المحيسن تركيز عامل على التاريخ إلى أن التاريخ يصنعه الجميع وأن حركة التاريخ ليست حكرا على أحد وأن التاريخ حركة صراع وجدل متحرك، كان العقلانيون والتقدميون أحد أطرافه الفاعلة وكانوا الحضور والشهود في كل حقبة من حقبه.

وأشار إلى ما أورده عامل في مقدمة كتابه “في عملية الفكر الخلدوني”، حيث يؤكد فيها أنه حذا في كتابته حذو المفكر الكبير ابن خلدون “ولا أخفي على القارئ أني حذوت في نهجي هذا حذو ابن خلدون في مقدمته، وكنت في نهجي سائرا على نهجه، وكنت فيه ماركسيا وما وجدت في هذا تناقضا بل تكاملا، ففهمت أن طريق الفكر الماركسي اللينيني هو طريق الوصول إلى تملك واقعنا الاجتماعي التاريخي في تراثه وحاضره”.

وحدد عامل، وفق المحيسن، مفاصل القراءة في ثلاثة أبعاد، هي: تمفصل الفكر النظري على السياسي، وصيرورة إنتاج الفكر الماركسي في عالمنا العربي وهي قضية نظرية. وثانيا، أسباب الحرب الأهلية في لبنان: القانون الاجتماعي الذي يحكم الأحداث وهذا يعني أيضا النظر في البنيوي لا الحداثي. وأخيرا حاجة معرفية في الفكر النظري إلى وضع جهازه المفهومي على محك الواقع التاريخي الملموس، النظرية في الممارسة السياسية.

ورأى المحيسن أن عامل في كتابه “علمية الفكر الخلدوني” عالج ظاهرة مجردة عن إنسان هو ابن خلدون في زمان معين، لكن في المقابل فهو كتاب يستحضر باستمرار في وصفه وتحليله، مناخ العصر وقيمه ومشكلات مجموعة من المناهج “الفكر الديني، التجريبي، المثالي”، وما تركت من بصمات على أصحابها، والمتأثرين بها، الأمر الذي يعطي للكتاب مكانة، وقيمة علمية خاصة، تربط بين الماضي والحاضر.

وقال إن عامل تحدث عن الشروط الضرورية لتأسيس علم التاريخ، وهو أمر مهم، “لكن الإشكال هو ما اعتبره في أول فصل من البحث، أن هذا الفكر هو من ابتكار ابن خلدون، ولم يسبق إليه أحد، في حين إن المسألة في نظرنا ما تزال مطروحة للنقاش من طرف مجموعة من المؤرخين”.

ورأى أن ما يشفع لعامل هو أن هذا العمل من اختصاص المؤرخين ولم يكن مطروحا إبان كتابته لهذا البحث. ومن جهة أخرى يبدو أن عامل كان على حق عندما طالب بثورة على المفاهيم التي نستعملها بكثافة من دون إخضاعها للنقد، وفي هذا الإطار انتقد وبشدة أكثر من مرة عبر فصول كتابه فكرة “الخصوصية” و”الأصالة” و”الفكر الديني”.

وخلص المحيسن إلى أن عامل درأ التهمة التبعية الفكرية للآخر، وحاول أن يكتشف جذور المادية التاريخية في تراثه العربي، فكان اكتشاف الفكر الخلدوني مدخلا نظريا لمهدي عامل للحديث عن الجذور المادية في التاريخ العربي.

الفار: الدارس للواقع العربي

د. جورج الفار رأى أن أهمية مهدي عامل تكمن في أنه “درس الواقع العربي ولم يدرس الماضي العربي”، كما أن عامل بين أن “أزمة الفكر العربي هي أزمة وعي زائف”.

وقال إن عامل رأى أن هذه الأزمة لم تأت من “الفكر العربي وإنما من الواقع العربي”، وتتمثل هذه الأزمة في البرجوازية العربية التي ستصدمه بالواقع العربي، وحاولت تزييفه وربطه هذه البرجوازية ذاتها بالبرجوازية الغربية، حيث تواجه مشكلتين الأولى انفصالها عن الواقع العربي، وثانيهما تبرئة البرجوازية الغربية نفسها من البرجوازية العربية.

وأشار الفار إلى ما وصل إليه عامل هو أن “أزمة الوعي العربي تكمن في أزمة البرجوازية العربية”، داعيا إلى ثورة في الوعي العربي والتخلص من البرجوازية الزائفة، حتى يتم تسليم القيادة إلى البروليتاريا العربية وحزب العامل، وقيادته إلى ثورة قادرة على تغيير هذا الوعي المزيف.

وبين أن أهمية عامل تكمن في أنه مفكر أصيل من داخل التيار الماركسي، استعمل الأدوات الماركسية نظرية في تحليل الواقع العربي.

azezaa.ali@alghad.jo

أضف تعليق