مــــــــــهـــــــدي عــــــــامــــــل

صفحة تختص بالمفكر الماركسي الشهيد مهدي عامل

مهدي… الحقيقي، الواقعي، التجدّدي، عامل… المدرسة الفكريّة النموذجيّة


مهدي… الحقيقي، الواقعي، التجدّدي، عامل… المدرسة الفكريّة النموذجيّة

أيمن مروة

أيّار 2008

ليس غريباً في وطن مأزوم أن ينتظر المجلس الدستوري قراراً بالتوافق ليتشكّل… ليس عجيباً في وطن تحكمه سلطة رقص المال أن تنتظر موازنته العامة الرضى من كل أطراف الطبقة الحاكمة، حتّى تقّر وتصبح نافذة لخدمة الفئات الطائفيّة من المواطنين اللبنانيين. ليس مفاجئاً أن تعطّل مؤسّسات الدولة، ويتوقف نشاطها ووظيفتها، في بلد لا تلعب فيه هذه الأخيرة دورها إلاّ في ظروف، يتاقسم فيها الزعماء هذه المؤسّسات وخيراتها بالتساوي. لا يثير الدهشة ما حدث عام 1958 التاريخ القريب من الإستقلال الحديث، من مناوشات ونزاعات داخليّة ومعارك صغيرة محليّة، ولم يأتي التاريخ بأدواته عبثاً بحرب العام 1975 المدمّرة للدولة ومكوّناتها والوطن ومكنوناته، وهو نفسه يرفض أن ينسب 7 أيّار لعامل الصدفة أو الحكم الإلهي. كذلك لم يولد اّتفاق الطائف ضربة حظ أو بناءاً على رغبة اللبنانيين بالسلم الأهلي، ولم يكن حتّى ليولد تلبيّة لهذه الرغبة. بل أكثر من ذلك ممنوع أن تصنع هدنة أمنيّة وشبه استقرار سياسي ما لم يكن خاضعاً لأيديولوجيا المحاصصة والقسمة، وإذا لم تسمح الإرادة الدوليّة والإقليميّة بقيامه، كما هي الحال في الدوحة حيث تمّ تجديد العقد. حين تصبح العجائب والغرائب والصدف والبديهيّات هي الركن الأساسي لسير حياة المجتمعات، ولغة العصر الخطابيّة الّتي يحاول المهيمنين على منافذ السلطة الترويج لها، تصبح هي الواقع الّذي نبني على أساسه خياراتنا اللاموضوعيّة، ونتّخذ منه قواعد غير معرفيّة تستبدّ على قناعاتنا وتلتهم عنصر التحليل والتفسير وتهضم العقل الناقد. مهدي عامل…هكذا كانت البداية على مرّ السنين والكثيرين من المحلّلين يحاولون تشريح الأزمة في النظام اللبناني، وواحد أو أكثر استطاع أن يقرأ هذا الواقع بهدوء عقلاني وبعلميّة مرعبة فكّكت تاريخ لبنان القديم والحديث، وبنت على أساسها تحليل الأزمة وتحديد عناصرها الحقيقيّة، قلّة من اللذين انتقدواا لبنان النظام وتركيبته البنيويّة، مستندين في ذلك الى المنهجيّة العلميّة (الديالكتيك) الّتي أبدعها عبقريّا القرن الماضي ماركس وأنجلز، مصرّين على قرأة واقع النظام والمجتمع اللبنانييّن، بشكل موضوعي يعتمد البحث والتاريخ يتطوّراته وتحوّلاته، ويعتمد التحليل والنقد البنّاء المرتكز على الأدوات المعرفيّة الّتي خلصت إليها الديالكتيك، رافضين بكتابتهم تطبيع الواقع اللبناني بقرأة كارل ماركس لواقع المجتمعات الأوروبيّة وصيرورتها في القرن التاسع عشر. هؤلاء الكتّاب القلائل اللذين خلصوا الى الحقيقة المطلقة، لمعرفة النظام اللبناني وطبيعته، من المشين أن نقول عنهم كتّاب. هؤلاء اللذين يفضحون عيوب النظام المأزوم بنيويّاً ليرتقوا بالمجتمع نحو المعرفة من أجل التغيير، من المعيب أن نقول أنّهم محللّين. هؤلاء اللّذين يقدّمون الرخيص والغالي، اللذين يقدّمون جهدهم ووقتهم وحياتهم في سبيل تقدّم الشعوب وتطوّرها، ظلمٌ أن نصفهم بالأساتذة والمتنوّرين، هؤلاء العظماء لا يمكن وصفهم إلاّ بالمفكرين والشهداء، هؤلاء لا يمكن إلا أن نقول عنهم المفكّر الكبير الشهيد “مهدي عامل”. مهدي الواقعي… من المهد الى اللحد ولد حسن عبد الله حمدان المعروف بإسمه الحركي “مهدي عامل” في بيروت العاصمة عام 1936، وهو ابن بلدة حاروف الجنوبية الّتي تقع ضمن نطاق قضاء النبطية، تلقّى علومه في مدرسة المقاصد في بيروت، و أنهى فيها المرحلة الثانوية، ثمّ نال شهادة الليسانس و الدكتوراه في الفلسفة من جامعة ليون في فرنسا، درّس مادة الفلسفة بدار المعلمين بقسنطينة (الجزائر)، ثم في ثانوية صيدا الرسمية للبنات (لبنان). انتقل بعدها الى الجامعة اللبنانية معهد العلوم الاجتماعية كأستاذ متفرغ في مواد الفلسفة و السياسة و المنهجيات. كان عضوا” بارزا” في اتحاد الكتّاب اللبنانيين و المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، ورابطة الاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية. انتسب الى الحزب الشيوعي اللبناني عام 1960, و انتخب عضوا في اللجنة المركزية للحزب في المؤتمر الخامس عام 1987، متزوج من ايفلين بران، و له ثلاثة اولاد هم كريم و ياسمين و رضا. لم يبال الشهيد المفكّر بالتهديدات التي جاءته ومفادها، بأنه سوف يكون الهدف الثاني بعد المفكر الكبير حسين مروّة، حيث كان رائجاً في تلك المرحلة، اغتبال الفكر والقلم وإعدام المعرفة والعلم على أيدي الجهل الخبيثة، الّتي تضعف أمام الكلمة والحقيقة، والّتي تفضح مخطّطاتهم الباطنيّة المضرّة بالمصلحة الوطنيّة، والتي تضمن تأبيد النطام من أجل تأبيد طبقة ما في الحكم والهيمنة على مكنونات الوطن وخيراته، لتكون تحت تصرّف أزلام يخدمون أنفسهم ومصالحهم الخاصّة على حساب خدمة المصلحة العامّة، كما عبّر عنها المفكّر نفسه. وعلى أثر هذه التهديدات الّتي لم تكون مجرّد تهديدات واهمة، تمّ اغتياله في شارع الجزائر في بيروت، في الـ 18 من ايار من العام 1987 فاتّقد وهج الفكر بهذا التصرّف الغبّي، الّذي نفّذته أغبى المخلوقات على هذه الأرض، لأنّ الذي خطّط لهذا الإغتيال وقرّر أن يعدم الباحث عن الحقيقة العلميّة لأسباب الأزمة اللبنانيّة، يصنّف في خانة الأغبياء والجاهلين سواء كانت فكرة رجل سياسة ام رجل دين، وهكذا لم ينالوا ما ابتغوه من هذه الخطوة بل على العكس فتحوا طريقاً أمام هذا الفكر لينتشر ويطّلع عليه كلّ من يهوى المعرفة ويريد لنفسه التقدّم ويبغى التغيير والنضال من أجل تحقيق غاية الغايات، ألا وهي العدالة والمساواة الإجتماعيّة. النتاج الفكري… وأثره في التقدّم البحثي النظري أيّها الاغبياء اللذين مع كل ظهور لمفكّر وباحث ستظهرون.

لن ولا يعرفكم أحد إلاّ من خلال حقيقة من تقتلون ومن خلال نتاج من تخافون وتخشون. أيّها الأغبياء من قال لكم أنكم إذا قتلتم صاحب الفكر تنتهي الحكاية. أخطئتم في تقديركم، يستشهد المفكّر جسداً، يتأبّد فكره ولا يتوقّف القلم، والدليل أنّ كل ما أبدعته يد الشهيد المفكّر مهدي عامل، يعيش بيننا، على رفوف مكاتبنا، في قناعاتنا، في عقولنا وقلوبنا، يساهم في تحديد خياراتنا، يساعدنا في التخطيط لمواجهة التحدّيات المستقبليّة بطريقة علميّة وموضوعيّة. يسكن فينا مهدي بأفكاره. يسكن في كل الفئات المثقّفة محليّاً وفي العالمين العربي والدولي، يناقشون أفكاره، يشيدون بها وحتّى أنّ أقلامهم تنتقدها، لأنّه نفسه أصرّ أن يؤكّد على أهميّة أن يتحاور الرأي والرأي الآخر، تاركاً في نتاجه مساحة شاسعة للعقل حتّى يتساءل ويبحث ويجيب وينتقد. نعم، لقد بحث الشهيد المفكّر بمؤلفّاته الّتي نستقي منها اليوم في العديد من القضايا الفكريّة، بداياتها كانت في الإضاءة على الأشكال التي تتميز فيها حركة القوانين التاريخية للمجتمعات العربية المعاصرة، وقد أدّى بحثه النظري في هذا الإطار الى صدور كتابه الاوّل عام 1972 تحت عنوان “مقدمات نظرية لدراسة اثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني”. والّذي يعدّ القاعدة الأساس الّتي انطلق منها المفكّر الشهيد لاستكمال دراساته وابحاثه الفكريّة وأعماله النظريّة وأطروحاته، في هذا الكتاب تحديداً طرح عامل المفهوم النظري المسمّى بـ “نمط الإنتاج الكولونيالي”، وهو المفهوم الخاص بنمط الإنتاج في البلدان النامية التي خضعت للهيمنة الاستعمارية ودخلت في إطار تبعية بنيوية مطلقة للنظام الرأسمالي الامبريالي العالمي، فصار تطورها ونموّها محكوما بهذه السيطرة، ضمن حركة تعيد إنتاج نفسها أو تكرّر نفسها من إعادة إنتاج علاقة التبعية لهذا النظام الكوني، والتي يستحيل عليها أن تتخطاها إلا بكسر هذه العلاقة وهذا الإرتباط. في هذا الإطار، وانطلاقاً من البحث في جدليّة العلاقة بين ما هو موجود وبين ما هو في طور التطّور والتكوّن ليكون موجود، عمل عامل على إنتاج فكر مطوّر لنتاج فكري سابق بمنهجيّة فهم جديدة تستفيد من الماضي، تشبه الحاضر، وتحدّد مصير المستقبل من خلال عرضه، لأدوات معرفيّة تؤمّن وتهيّئ للعقل كلّ الظروف ليكون خلاّقاً ومبدعاً وقادراً على تحديد استرتيجيّاته ومسار عمله النضالي، فكان الأساس كتابه ” مقدمات نظرية: لدراسة اثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني ” كما ذكرنا سابقاً، بمحوريه (نمط الإنتاج الكولونيالي) والـ (التناقض)، ومنه ذهب عامل الى التخصّص أكثر في القضايا فكتب مؤلّفه “أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية؟” عام 1974. ثم ذهب ببحثه العلمي الى عمق الحياة الإجتماعيّة والسياسيّة اللبنانيّة الّتي قام على أساسها النظام فأبدع المفكّر عامل في البحث بالمسألة الطائفية، حيث عبّر عنها بعلميّة مطلقة في كتابه “النظرية في الممارسة السياسية – بحث في أسباب الحرب الأهلية في لبنان” وذلك في العام 1979، وأيضاً في كتابه ” مدخل إلى نقض الفكر الطائفي- القضية الفلسطينية في إيديولوجية البرجوازية اللبنانية ” عام 1980. كذلك كان للشهيد اعمال أخرى ومنها ” في علمية الفكر الخلدوني “، الّذي حدّد فيه عامل علمية الفكر الخلدوني، حيث يعتبر ويؤكّد فيه أنّ إبن خلدون في المنهجيّة العلميّة الّتي اعتمدها والأدوات المعرفية البديهيّة المستدركة في ذلك الحين، والّتي ساقته لتحليل المجتمعات وتطوّرها انطلاقاً من قرأة تطوّرها بتلازم مع التاريخ، إنّما كانت قفزة في حقل الفكر الاجتماعي وفي حقل الفكر التاريخي. وكذلك كتابه الّذي صدر عام 1986 تحت عنوان “ماركس في استشراق ادوار سعيد” الّذي انتفد فيه عامل سعيد بأنّه في كتابه “الإستشراق” إنّما يلغي الشكل المادي للفكر الّذي بناه كارل ماركس، واعتبر أنّه لا يجوز أن يتم إدماج النظرية الماركسية في البناء النظري للفكر البرجوازي المسيطر والمهيمن على الشرق والعالم. ولكن من الضروري الإستفادة من أدواته المعرفيّة والعلميّة لقرأة تكوّنه وتطوّره (الفكر الإقتصادي البرجوازي الإمبريالي الرأسمالي المهيمن). كذلك كان لهذا المبدع كتابات في الشعر والأدب فصدر له عام 1974 “تقاسيم على الزمان”، وعام 1984 صدر ديوانه الشعري “فضاء النون”. في الدولة الطائفيّة… إنجاز فكري خاص جدّاً اختتم عامل رغماً عن إرادته مسيرته الفكريّة في المجال البحثي في المسألة الطائفيّة في لبنان كما سبق وذكرنا، وذلك بولادة واحداً من أعظم الإنتاجات الفكريّة الإبداعيّة، حين قدّم هذا العملاق تحفة نظريّة في كتابه ” في الدولة الطائفية ” وذلك قبل عام من استشهاده أي العام عام 1986. قد تلاحظون مبالغة في وصف هذا العمل، ولكن إسمحوا لي بكل تواضع أنّ أقر كقارئ وكمواطن لبناني، يبحث عن المعرفة العلميّة لينمي قدرته الذاتيّة، ويفتّش عن المعلومات الّتي تحلّل أسباب الأزمات الّتي نمر بها في كل مرحلة من تاريخنا الإجتماعي والسياسي والأمني، إنّه الكتاب الوحيد الذّي أجاب على كل هواجسي وتساؤلاتي بموضوعيّة وعلميّة مستندة الى التدقيق وقرأة كل اللّحظات التاريخيّة الّتي أوجدت النظام اللبناني، هذا أوّلاً، ثانياً، لأنّه أثار جدلاً واسعاً لدى المؤيّيدين للفكر البرجوازي الشيحاوي ومنظّري الفكر الليبرالي الأكثر استشراساً، كذلك حدّد هذا الكتاب الأسباب البنيويّة لأزمة النظام اللبناني، ووصف هذه الأزمة كما لم يصفها أحد من قبل، منطلقاً في بحثه ومستفيداً من الأدوات المعرفيّة الّتي أنتجها الفكر الماركسي، والّتي عرضها بتجدّد في كتابه “مقدّمات نظريّة”. عرض عامل في هذا الكتاب أثر الصراع الطبقي في تفعيله وتجييشه الصراعات والنزاعات ” الطائفية “، معتبراً أنّ الطائفيّة هي الشكل الوحيد الّذي يمكن من خلاله أن تتأبّد الطبقة الحاكمة البرجوازيّة، ومن خلالها تحيا هيمنتها على مؤسّسات الدولة ومكوّناتها، وفي معرض هذا الكتاب توصّل عامل الى أنّ الطائفيّة هي الشكل التاريخي المحدد للنظام السياسي الذي تمارس فيه البرجوازية هيمنتها الطبقية، وفي هذا الكتاب بالذات أكّد عامل أنّ الطائفة بذاتها ليست كياناً، وهي ليست هدفاً بحدّ ذاته، بل هي أداة لإنتاج علاقات سياسية وإجتماعيّة وطبقيّة متناقضة، تربط الطبقات الكادحة الفقيرة المنتميّة بالتربية والثقافة لطوائف ومذاهب، ربطا طائفيا بزعامات هذه الطوائف البرجوازية الحاكمة المهيمنة على مكوّنات الدولة واستحقاقاتها (وهذه حالة تنعكس في الواقع المعصر اليوم حيث نشهد في الحياة السياسيّة اللبنانيّة، تيعيّة مظلمة للزعماء، علماً أنّ المتضرّر الوحيد ليست الطائفة بل اللبناني المنتمي لطائفة، والّذي يقرّ بولاءه لزعيمه وطائفته ببقاء الأزمة المعيشيّة الّتي يقع فيها وتقع على عاتقه وعلى حساب نشاطه الحيوي…). انتقد عامل في هذا الكتاب أيضاً ما كان يروّج له منظّروا الفكر البرجوازي اللبناني، من مشيال شيحا الى تلامذته المنتمين لنفس المدرسة الفكريّة، وعلى رأسهم د. أنطوان مسرّة، اللذين مدحوا بطبيعة النظام اللبناني ووصفوه بالفريد من نوعه، في تركيبه الطائفي. هذا الوصف وجد فيه عامل أنّه أسلوب أيديولوجي يعتمده هؤلاء المنظّرين البرجوازيين الشيحاوييّن للتأكيد على أنّ النموذج الفريد لا يجوز تغييره وبالتالي إنّ النظام اللبناني الفريد من نوعه لماذا يتم تغييره؟، وبالتالي بيت القصيد مفاده يجب أن نبقي على هذه الطبقة الحاكمة وهذا ما حدث فعلاً إلاّ أنّه تمّ التعديل في شكل السلطة بالأعداد الطائفيّة المهيمنة وعلى رأسها أسياد رأس المال المرتبطين تاريخيّاً بنمط علاقات إنتاج كولونيالي كما عبّر عنه سابقاً في كتابه مقدّمات نظريّة، والمعني ارتباط تطوّرهم بتطوّر المصالح الإقتصاديّة للإمبرياليّة العليا وللإقتصاد الكوني الّذي تهيمن عليه الأحاديّة القطبيّة الأمريكيّة في ذلك الحين. كذلك انتقد عامل في هذا الكتاب العلاقة المؤسّسيّة بين الدولة والطوائف وتطرّق الى دور الدولة الطائفيّة، منطلقاً من مقولة “لبنان مجتمع متعّدد” للدولة فيه دور ” مؤسّسي تحكيمي متوازن” وهذا بالتحديد ما أوجد أزمة أن لا يوجد دولة، أو أن لا تكون الدولة، فالدولة في لبنان لا تكون إلاّ بوجود هذه التعدّديّة للطوائف، كذلك لا دور لطوائف لا وجود لها ضمن إطار الدولة، الشكل طبعاً، واعتبر عامل أنّ منظّري الفكر البجوازي إنّما يحاولون طوال الوقت أن يوهموالناس بأنّ الدولة هي في موقع محايد من الطوائف، مستقلّة عنها ولكن تحكم بينها، لا تنحاز لواحدة ضدّ أخرى، بل توفّق بينها إن اشتدّ تنافسها، وتحول دون تخاصمها، حفاظاً على ديمومتها، وهذا ما يدعّم بقاءها بشكل ملغوط، ويأبّد الأزمة ويروّج لما هو ضد قيام الدولة الحقيقيّة القائمة على أساس إلغاء الطائفيّة السياسيّة، ورفض منطق التحاصص الّذي هو جزء من أيديولوجيّة ومفاهيم الفكر البرجورازي. كذلك رفض عامل منطق التوافق وأكّد أنّ هذه الديمقراطيّة المدعوّة بالتوافقيّة إنّما أوجدها منظّروا الفكر البرجوازي اللبناني لتكون بمثابة دلالة سياسيّة تحمل في باطنها مغزى يكمن في رفض هؤلاء تغيير النظام السياسي اللبناني ويؤكّد مرّة أخرى طموحهم في تأبيده، باعتبار أنّ التوافق اداة سياسيّة توفّق بين الجميع وتقضي على الخلاف وتروّض النزاع فيما بينهم، إلاّ أنّ هذه الوجهة النظر، إذ حرام عليها أن نقول عنها فلسفة أو فهم أو رؤية)، أثبتت فشلها والدليل تجدّد الازمات السياسيّة ووقوع النزاعات المسلّحة الأهليّة، لأنّ هذا النوع من الديمقراطيّات هش وركيك ولا يخدم الإستقرار والنمو. في الدولة الطائفيّة المعاصرة…

مرّت عقود عديدة على نهاية الحرب الاهليّة اللبنانيّة الكبرى إذا جازالتعبير، واليوم شهدنا بأنفسنا تجدّد الصراع، وخضعنا غصباً عن هويّتنا اللبنانيّة ورغماً عن حسّنا الوطنيّ، لمعايشة الحرب الاهليّة الصغرى بكل طائفيّة وتجرّد، والّتي لم تنتهي إلاّ بتجديد ميثاق الطائف، وأكثر من ذلك فإنّي أعتبر أنّ الزعماء اللبنانيين جدّدوا العقد مع الإرادة الدوليّة والعربيّة، وأصبح المشهد في الدولة الطائفيّة المعاصرة، أشبه بعمليّة تبادل بين مستأجر ومؤّجر، فاللبنانيين المتمسّكين بالسلطة منذ عقود بالتزلّف والتوريث، يوقّعون عقد إيجارالأمن اللبناني مع المؤجّرين أصحاب الأرض وروّاد اللعبة، وبالطبع نعني هنا الإرادة الدوليّة واللا الإرادة العربيّة، ويبقى الجزء الأخير وهو الشعب اللبناني الّذي يغرق في آتون الإستهلاك بحال التفجّر وبحالة السلم، وهو السلعة الوحيدة المعرّضة خلال عمليّة العرض والطلب بين الزعماء المحلييّن والزعماء الدوليين والإقليمييّن والمستوردين (من سفراء ورجال أمن وإستخبارات، إلخ…)، للمتاجرة والبيع والشراء، والإستيراد والتصدير، على هذا المنوال يبدو أنّ ما كان يحذّرنا منه عامل في كتابه “في الدولة الطائفيّة” أنّ الصراع سيتجّدّد لأسباب ارتباط إقتصاد البرجوازيّة الحاكمة الّتي تأخذ شكلاً طائفيّاً في دولة توافقيّة تحكم بينهم وتغطّي عيوبهم، بالسياسات الإقتصاديّة الرأسماليّة العليا، ولسبب آخر، أنّ الهيمنة على مكنونات الدولة ستكون دافعاً لطائفة جديدة قديمة تجد نفسها تكبر وتعظم، وتلقى دعماً دوليّاً وإقليميّأً سياسيّاً وأمنيّاً، ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بهذا الدعم وتخضع لسلطته الماليّة، سواءاً كان هذا الدعم متلقّى عبر صندوق النقد والبنك الدوليين أو من الضخ المالي الخارجي لدولة أجنبيّة ما دوليّة أو إقليميّة أو عربيّة، وهذا هو نمط الإنتاج الكولونيالي الّذي يخضع اقتصاد الدول الناميّة لسياسات الإمبرياليّة العليا الإقتصاديّة، وبالتالي لا يمكن أن تتطوّر هذه الدول ما لم تلبّي حاجات السوق الكبرى أو السوق الكونيّة!!، وفي هذه الحال وبسبب هذا الإرتباط ينقطع نموّها، بسبب أنّ الدول الكبرى المتضرّرة من فشل هيمنة هذه البرجوازيّة المحليّة الصغيرة الحاكمة، ستعمل على ضرب استقرار هذه الدول الناميّة والمعني هنا لبنان بشكل مباشر، حتّى يتحقّق نوع من التوازن الطائفي الجديد، أو صياغة تركيبة سياسيّة سلطويّة جديدة لإعادة تشكّل الهيمنة وتوزّعها بين الطوائف ورأسمالييّها بما يتلاءم ونظريّة الدولة التوافقيّة أو الدولة الحكم، لتكون أكثر حرصاً على مصالح الشركات الكبرى المعولمة الّتي تسيّر الإقتصاد الرأسمالي الكوني، وأرباحها ونموّها وتوسّعها، ورد الجميل حينها يكون الإستقرار المؤقّت والنمو المرهون للتطوّرات في العلاقات الدوليّة الإقتصاديّة والسياسيّة. (ملاحظة قد يصبح عدو اليوم في هذا النمط من الإنتاج في العلاقات بين الدول الناميّة والدول الرأسماليّة الكبرى، حليف الغد، وهنا، قد نشهد في مراحل مقبلة أن أمريكا تقتنع بحزب الله كحليف استراتيجي يحمي مصالحها، ويجد تيّار المستقبل نفسه مستفيداًمن دعم شركات النفط الإيرانيّة لرأسمال آل الحريري وبالتالي حينها تقلب المعادلات وتعدّل القوالب). والدليل أنّ ما حدث في سبعة أيّار هو صراع على الهيمنة على السلطة، وهو ليس صراع من أجل التغيير، أو من أجل بناء دولة. ما حدث لم يكن لتداعيات اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري أي علاقة، بل من تداعيّات الأزمة البنيويّة في طبيعة تركيبة النظام اللبناني الطائفي الّذي تحدّث عنها هذا العظيم عامل، نعم، إنّها تداعيات الإستقلال الغالي الّذي حرّرنا من الإحتلال العسكري وأبقى نظامنا أسير الإحتلال السياسي والإقتصادي، إنّها تداعيات الحرب الأهليّة اللبنانيّة 1975، وتداعيات اتّفاق الطائف الّذي هو هدنة ولدت بظروف، وجد الغرب والإقليم فيها حاجة للهدوء في المنطقة لتحقّيق غايات إقتصاديّة وربحيّة، ولتمتين استقرار السوق في الشرق الأوسط، من أجل تلك الأسباب شهدنا في تلك المرحلة، تطوّر عمراني واقتصادي في الدول العربيّة والخليجيّة، المجاورة والبعيدة، ولتحقيق ذلك أيضاً قامت حكومات الحريري المتعاقبة وشركائه في زعامة الجمهوريّة والبرلمان، بالنهوض في القطاعات اللا إنتاجيّة وبخدمة الوسط الإداري، وفك القيود عن الإستثمارات الخارجيّة، وخصخصة جميع المرافق الحيويّة العامّة لصالح الشركات المعولمة. ما حدث في الحرب الأهليّة الصغرى 2008، هو نتيجة تراكم الأزمات في هذه البنية. سؤال العصر يتجدّد اليوم ونقتبسه من دم الشهيد مهدي عامل، هل الصراع القائم في لبنان اليوم هو صراع طائفي؟ أم أنّه صراع طبقي؟ إذا حاولنا اليوم أن نجيب عن هذا السؤال، فنحن بحاجة الى ماركسي عاملي جديد، يبحث ويجهد ويكتب ومستعد أن يضحّي. وهنا سأسمح لنفسي أن أطرح بعض الأسئلة وأكرّر بعضها عن لسان الملايين المغبونين، والّتي آمل أن تلقى صدًى؟ وتجد الإجابة المناسبة والمقنعة. نزاع اليوم، هل هو طائفي؟ أم أنّه صراع طبقي – سياسي؟ هل للأيديولوجيا الدينيّة الأصوليّة الإسلاميّة السنيّة والشيعيّة الّتي تنتشر في العالم والمتّهمة بالإرهاب من قبل الديمقراطيّة المدنيّة المزيّفة، أي ارتباط وأثر حقيقي بالأحداث المحليّة اللبنانيّة؟ أم أنّ أيديولوجيّة المحاصصة وتوزّع الهيمنة هي المحدّد الرئيسي لكل التطوّرات؟ هل السبب في هذه النزاعات القائمة هو تنبّه بعض الطوائف، الّتي وجدت نفسها مغبونة، علماً أنّها في قيد التطوّر بالحجم والكم ورأس المال؟ وهي تحاول اليوم أن تطلب حصّة لها في الإستحقاقات؟ وموقعاً ومركزاً وسلطة في أداة الهيمنة وأعني الدولة؟ هل تريد هذه الطوائف، الإضافة على التاريخ الحديث، مصطلحات الشيعيّة السياسيّة والسنيّة السياسيّة؟ و الرأس مال الشيعي والرأس مال السنّي؟ على ما كان معروفاً بالتاريخ بالمارونيّة السياسيّة… هل يمكن أن تتجدّد هذه الأزمة؟ هل يمكن أن يشتعل من جديد الصراع؟ وما هو الحل لهذه الأزمة؟ أسئلة كثيرة، منها كبير ومنها صغير، منها ما يحتاج بحثاً وتدقيق علميّين، ومنها ما تكون الإجابة عليه، بديهيّة تشبه البداهة الّتي انتقدها عامل في كلام مسرّة عن التوافقيّة والتعدّديّة. أيّها اللبنانيّون، أيّها المثقّفون، كم نحن بحاجة الى عوامل نظريّة تجيب عن هواجسنا. كم نحن بحاجة لعوامل تساعدنا في التخطيط ورسم استراتيجيّاتنا النضاليّة للمخطّطات الطلاميّة الّتي تنهك بلادنا وفي كل يوم تقتل فينا العزم والإرادة؟!… لست أنا هنا أروّج للإشتراكيّة، ولا أنا بصدد التلويح بثورة بلشفيّة جديدة، إنّما أحاول أن أقول نحن بحاجة لبدائل نظريّة، نتبنّاها وتكون محدّداً لمسارنا النضالي من أجل التغيير وتحقيقه… نحن بحاجة لأن نضع حدّاً لهذه الإنتهاكات الّتي نتعرّض لها، ولهذا الغبن الّذي يضعوننا فيه نتيجة كذبهم وترويحهم لأفكار مجنونة واهنة، والّذي نضع فيه أنفسنا نتيجة تغاضينا عن هذه الأزمات… نحن بحاجة لأن ننتخب ونصوّت لبرامج حقيقيّة تسعى للتغيير الجذري، وتضمن بناء دولة قويّة مكتفية ذاتيّاً بكل جوانبها وناشطة بكل مؤسّساتها، قد تتساءلون هل يمكن تحقيق ذلك؟! فأجيب نعم، إذا صممّنا وبحثنا ودرسنا وخطّطنا، وحلّلنا، نستطيع أن نضع حجر الأساس لعمليّة قد لا نكون فيها إلاّ مجرّد وسيلة لتسريع هذه العمليّة. نحن بحاجة لأن ننقضّ على البرامج الإنتخابيّة المطروحة اليوم والّتي تعدّ تغييريّة بنظركم ونظر من عمل على صياغتها، والّتي تروّج للنظام الإقتصادي الرأسمالي الحر الذي يثبت في كل أزمة أنّ التاريخ سيشهد على انهياره وانعطاف مسار تطوّره، وتروّج للخصخصة والتحاصص والتوافق. أيّها المفكرّون، إننّا بحاجة لـ عامل واحد منكم… إننّا بحاجة لـ عامل واحد…

2 responses to “مهدي… الحقيقي، الواقعي، التجدّدي، عامل… المدرسة الفكريّة النموذجيّة

  1. نعمان رباع 21/03/2021 عند 21:40

    الشهيد ناهض حتر هو مهدي عامل الاْردن انه من مدرسة غرامشية لاتخجل من الاستنباط من البيئة المحلية وجعل الثقافة أساس التغيير ولا تخجل من الهوية الوطنية ولو كره اليسار الطفولي الاحمق واليسار الستاليني الجامد عقائديا

  2. نعمان رباع 08/08/2015 عند 14:04

    تحية الى روح الشهيد مهدي عامل الذي قتله الفاشست

أضف تعليق