مــــــــــهـــــــدي عــــــــامــــــل

صفحة تختص بالمفكر الماركسي الشهيد مهدي عامل

Monthly Archives: ماي 2011

مهدي عامل/صورة انسانية فكرية


مهدي عامل/صورة انسانية فكرية

 

مهدي عامل/الحوار المستمر

 رامي مهدي

سؤال نطرحه على أنفسنا, بين الحين وآخر, كلما جرى الحديث عن مهدي: ترى, ماذا كان مهدي سيكتب, بعد سلسلة الانهيارات الكبر, والهزرائم والضياع والبلبلة في أفكار ومقولات المارمسيين العرب, والتفتيش المحموم عن أفق؟

هل كان سيؤكد, ما كان يطمح اليه دائما: ها ان زمان تحرّر الماركسية قد أتى.. وقد آن للماركسيين العرب, بدورهم, وكما كان يفترض بهم من زمان: أن يتحرروا… فهم لم يعودوا مضطرّين/ ملزمين أن يأخذوا باعتبارهم, لدى صياغة كل مقولة أو خطّة لهم, المواقف والمستلزمات السياسية, الىنية, للشقيق الكبير

مهدي, في العنق من كتاباته, وفي العديد من صياغاته الواضحة, لم يكن يأخذ في اعتباره هكذا اعتبار.. أي لم يكن يتقيّد أبدا بما كانت تقيّد به نفسها”القيادات الرسمية” للحركات الشيوعية العربية… لا تنازل عنده, أو تسامح, في النظرية. وانطلاقا من النظرية, كان يرى صرورة التركيز على ما هو مميّز في مجتماعتنا العربية.. “فالقانون النظري, الذي له بالضرورة طابع كوني, لا يوجد الاّ مميزا” وفي أكثر أعماله النظرية البحثية, ان لم نقل فيها جميعا, تنويعات على محاولته الأساس للجواب عن هذا التسياؤل الأساس:”-ما هو الشكل أو بالأحرى ما هي الأشكال المحددة التي تتميز فيها حركة القوانين التاريخية الكونية في الحركة التاريخية للمجتمعات العربية المعاصرة؟” وفي الطريق الى ملامسة الاجابات, والسير في اتجاه وضوح معرفي, كان عليه أن ينجاوز وينقد, أو بنقض, ثوابت كثيرة مما صار متكوّنا في الفكر الماركسي, ويطرح تساؤلاته دائما عليها, لنهتدي الى الطريق الخاص, لتكوين فكرنا الماركسي ماركسيتنا نحن, ذلك بالكشف المعرفي عن الخاص في بنيات مجتمعاتنا العربية, أي: تمييز ما هو كوني… وهكذا فان وضع فكرنا الماركسي المتكوّن موضع التساؤل هو الطرق الوحيد لتطوّن فكرنا الماركسي

عبر المسار المتحرّر, والتحرري, توصّل مهدي عامل الى صياغة العديد من مفاهيمه ومقولاته المختلفة عن/ والمتخالفة مع/ الثوابت الفكرية في الحركة الشيوعية العربية… ولكنه اذ يصل الى صياغة مفهوم ما, أو قناعة معرفية محددة يندغع الى حد الافتراض ان هذه الصيغات هي وحدها الصحيحة..فيدافع عنها بمنطق متماسك جدا, صارم جدّا, وممعن جدا في تشدده

الآن وقد دخلت الماركسية زمان تحررها, بمعنى انها تحررت من السقف العام- الضاغط نظريا- للحضور السوفياتي, وتحررت الى حدّ بعيد من سلطان التحزّب والنصية وتقديس الأصول… ولمهدي اسهام واضح في هذا المجال التحرري… الآن وقد مضت سنوات على اغتيال مهدي عامل, وكتبت عنه, اثر غيابه, الكثير من الكتابات التقييمية. وكان فكره, خلال هذه السنوات مجال أطروحات جامعية, بعها تقييمي وبعضها دخل في حوار ونقاش مع فكره… الآن صار ضروريا وفي ضوء ممارسته التحريرية النقدية نفسها القيام بقراءات جديدة تقييمية/ نقدية لفكر هذا المفكر الشمولي في نظريته والدقيق في مجاله

ولعلي أثقان هذه القراءات, مهما حملت من أحكام انتقادية, سوف تفضي الى استنتاج يقول: ان جديد مهدي عامل من شأنه أن يغني الجديد في حرية الفكر العربي ويسهم في دفع هذا الفكر في اتجاه اضاءات معرفية لما هو خاص في قلب العام, المميز عبر الكوني في مجتمعاتنا العربية, ذلك أن أي جهد تنظيري فكري جديد في هذا المجال صار ضروريه مستقبلية

رسالة الى الحيّ مهدي عامل


رسالة الى الحيّ مهدي عامل

william

أذكر يوم “التقيت بك” في كتابك “أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني..”(والذي وجدته صدفةً عند أحد بائعي الكتب المستعملة،ولم اكن قد سمعت بإسمك من قبل)، وكأنني أجابه جبلاً من المفاهيم والكلمات والافكار التي لم أكن قد علمت بوجودها. اعلنت بادىء الامر انزعاجي من قدرتك على اعادة الجمل كما هي احيانًا،ولكنّي سرعان ما وجدت نفسي مأخوذًا بما اعلنتَه ضرورةً للوضوح والتوكيد، وسرعان ما وجدت نفسي اعيد واعيد ما أقرأ! لا لقصور ورغبة اضافية في فهم بعض المفاهيم والافكار فحسب، بل لمتعةِ الحقيقة الضاحكة التي أعلنتَ. انهيتُ كتابك (الذي قرأته لثلاث مرات بعد ذلك) مبتهجًا: ولشدة تأثّري كدت ان اذرف دمعة الفرح كطفلٍ ضائعٍ وجد حضن والدته بعد طول ابتعاد!

وكطفلٍ يتباهى بلعبته الجديدة امام الغير، هكذا امسيتُ: متباهيًا بكَ، ساخرًا ممّا اسمع وأقرأ من منشوراتٍ ومقالاتٍ وكتاباتٍ كانت تشكّل مصدر تفهمّي الوحيد لما حصل ويحصل في لبنان من صراعات وُصِفَت بالطائفية او من ممارساتٍ سياسيةٍ وُسِمَت زورًا بالثورية والتغييرية والراديكالية…..

ولأننا نحن معشر “الشيوعيين” نحب الحقيقة لأنها دائمًا الى جنبنا، فإننّا نسعى ايضًا الى وضع هذه الحقيقة بين أيدي من نعتبرهم أصحاب المصلحة الحقيقية في ممارسة هذه الحقيقة: وهكذا أذكر كيف انّي اسرعت الى أحد أصدقائي قائلاً: ” خذ إقرأ هذا الكتاب……..عظيمٌ هو…لا بل رهيبٌ!”، وهذا ما سيردده صديقي حين انهى الكتاب آتيًا لزيارتي ضاحكًا :”لن اعطيك الكتاب الآن-قال- سأقرأه مرة اخرى..”

ومن كتابٍ الى آخر، وبين مقالةٍ لك واختها، وسمتَ حياتنا الفكرية و”النضالية” بوسم الفكر النقدي الثوري المناضل:

– في كتابك “في تمرحل التاريخ”:علمتنا ان الفلسفة ليست ترفًا او لعبةَ مفاهيم، او مجرد جدال نظري عقيم، صراع كلماتٍ تحلق عاليًا، فمهما كان المفهوم مجردًا متعاليًا نظرانيًا، سرعان ما يمكن اعادته الى ارض الواقع المادي، وسرعان ما يمكننا تلمسّ جذوره التي تنغمس بعيدًا في عمق الصراعات الديالكتية الاجتماعية اليومية المعاشة.معك، كانت تصدح بومة مينرفا الفلسفية فرحةً بتشريح اصنام الفكر الفلسفي وانتشاله من هفواته وغموضه غير البريء!

– في دراستك عن إبن خلدون،وفي قرائتك للتراث الاسلامي، ومعك (ومع شيخنا الشهيد حسين مروة) اقتربنا من الاسلام فضاءًا ثقافيًا رحبًا وليس ايمانًا غيبيًا، وان كانت النصوص الدينية قد ابعدتنا عن الايمان الى غير رجعة، وقد جعلتنا نرى الى الدين نظرة أحايدية الجانب تختزل ما لا يجوز اختزاله، فإننا بقراءة نصوصك وجدنا انفسنا نقترب من النصوص الدينية متسلحين بفكرٍ يأبى التسليم بالمقدّس اللاتاريخي.

– في كتابك “أزمة حضارة او أزمة برجوازيات عربية”،علّمتنا حذّر الفكر النقدي الثوري ممّا يُطرَح من مفاهيم ومقولات تحمل فخ التبعية للآخر المُفتَرض “عدوًا” او نقيضًا، وتغوص في دورانًا في الحلقات الفارغة. أصبح نقدك لما يطرحه الفكر اليومي ولما يقدمه الفكر البرجوازي العربي منهجًا نستعين به للشك بالبديهي، لتفكيك المسلّمات، للانطلاق من الظاهر الى الماهية. فكم من المفاهيم(او بتسمية ادق الافاهيم) سلّمنا بها باعتبارها نهاية مطاف الفكر، وكان في ذلك كسلٌ منّا ورغبةً باستراحة العقل، ولكنك ايقظتنا من غفلتنا ومن نومنا العميق، وخلخلت استكانتنا.

– في كتاباتك المتعددة عن حركة التحرر الوطني وعن الحزب الثوري والبديل الثوري البروليتاري النقيض، “وضعت الاصبع على الجرح”: وبفكرٍ ديالكتيكي رائع أكدت لنا وحدة التحرر بوجهيه الوطني والاجتماعي، ومستشرفًا أزمة حركات التحرر الوطني القومية والاسلامية، برجوازية المضمون، حذّرت من الفصل بين مساري التحرر، وكان تحذيرك وما زال راهنًا، ويؤكّد منطقك ما نشهده اليوم من أزمة تعيشها كل حركات التحرر في العالم العربي. ازمة لا توفّر حتى من راهنتَ أنتَ ومن يراهن غيرك اليوم عليها، ازمةٌ تطال ما يُفترض به ان يكون البديل الطبقي النقيض، اي الحزب الشيوعي ممثل الطبقة العاملة وحلفائها الطبقيين، في لبنان وكل العالم العربي.

 بمساعدتك، عرفنا عمق الازمة التي تعيشها الحركة الشيوعية(وبالتحديد اللبنانية)،فهي ليست ازمة تنظيمية فحسب، أو ازمة بيئة إجتماعية و”ظروف” خارجة عن ارادتنا، وهي ليست ازمة فكر بالمعنى المبتذل للكلمة ولا أزمة طبقة او طبقات، انها ازمة ممارسة سياسية لم تستطع حتى اليوم ان تقطع مع الممارسة السياسية النقيض المهيمنة، لتشكّل ممارستها الطبقية البديلة، ولم تستطع تبعًا لذلك ان تبنيَ الجهاز النظري الملائم لهذه الممارسة السياسية الطبقية الثورية المبتغاة.إنها ازمة خيارات سياسية يومية لم ترتكز الى عمق طبقي حقيقي، بل ظلّت بعيدةً كل البعد عن الفكر التي تحمل من جهة وعن الطبقة التي تمثّل من جهة اخرى.

 جعلتنا نتشدد في ضرورة وجود حركة ماركسيةٍ، تقطع سياسيًا ومفاهيميًا مع السائد المهيمن، حركة ثورية تستند الى علم الثورة وتاريخها، حركة تتكأ على قاعدةٍ طبقية واضحة المعالم والبرنامج والافق، وليس حركة تتخبط في التجربة والخطأ وتقتات من ذكرياتٍ إنقضت واحلامٍ عفا عليها الزمن.

واليوم، وفي خضّم ما يشهده العالم العربي وما يشهده لبنان، وفي ضوء أزمة اليسار اللبناني المستمرة (والتي لا نرى حتى هذه الساعة نورًا في أفقها المظلم) كم تبدو العودة اليك ملّحة، وكم تبدو مهمّة تخليصك ممّا علق بكلماتك من بعض الادلجة التي لائمت مرحلة كتاباتك ولكن التي طوى عليها الزمن…

اليوم كم نحن بحاجة الى مهدينا مهدي عامل، الى شاعرنا هلال بن زيتون، الى رفيقنا طارق والى معلمنا حسن حمدان ، لا لنقدّسك او نؤلّهك او لنبّجلك، لا لنضعك فقط على لائحة شهدائنا وشهداء الفكر الثوري والعمل النضالي الاشتراكي في لبنان والعالم صورةً او اسمًا للذكرى والمتاجرة…….

كم نحن بحاجة الى مهدي في منهجه النقدي، في ثباته النضالي، في بحثه الهادف عن الحقيقة والثورة….

كم نحنا بحاجة اليك يا مهدي في ضحكتك المتفائلة!

“مهدي عامل”: شهيد الحقيقة الثورية


سمير دياب/ مهدي عامل شهيد الحقيقة الثورية

“مهدي عامل”

شهيد الحقيقة الثورية

سمير دياب

لا كلام، حالي، يضاف الى كلام الرفيق “مهدي عامل” حول ما قدمه في ثلاثيته النحتية الاخيرة للمسألة اللبنانية: المنحوتة الاولى؛ كتاب “النظرية في الممارسة السياسية- بحث في أسباب الحرب الأهلية في لبنان”. والثانية في كتاب “مدخل الى نقض الفكر الطائفي” . والثالثة كتاب ” في الدولة الطائفية”، وهو “زبدة” الكلام السجالي- النقدي – المعرفي الذي وضع فيه حداً معرفياً فاصلاً بين الفكر البرجوازي الطائفي المسيطر، والفكر الثوري النقيض. ويبدو ان هذا الحد المعرفي الثوري الفاصل، كان حاداً وفاصلاً عند ظلامية الفكر الطائفي في إتخاذ قرار إعدام الكلمة الحرة، واغتيال الفكر الثوري الإنساني . إنطلقت الرصاصات الطائفية ومارست حقدها التاريخي ضد التحرر الاجتماعي والسياسي والفكري. ومات الشهيد. لكن فاتها، أن مفهوم التحرر مرتبط بالحرية، والحرية لن تركع، والفكر الثوري لن يموت.

الشهيد “مهدي عامل”، إنطلق في منحوتاته الفكرية- البحثية، يفتش عن الحقيقة الثورية، فأخضع الفكر للنقد، ثم حدد مسار نقد الفكر بطبيعة الممارسة التي يقوم عليها هذا الفكر. شكـّل هذا أساساً لمنطلق البحث عن الحقيقة التاريخية في حقل الصراع الطبقي. وفي رحلة البحث هذه، ودورانها، كحركة تفكير لإكتشاف الواقع، ميز مهدي عامل، بين نوعين من الممارسة في الفكر: الممارسة الأيديولوجية –السياسية والممارسة النظرية، لإعتباره أن لكل منهما منطق تطورها الخاص. محدداً الاختلاف بين ممارسة الفكر الماركسي عن ممارسة الفكر البرجوازي، بسببين رئيسيين: الاول، وعيها بأسس النظرية الماركسية ومضامينها. والثاني، قدرتها على تعرية المنطق البرجوازي، وممارساته، وخفايا مصالحه. وهذا يعني قدرة هذا الفكر على كشف الحقيقة الموضوعية، في شروط محددة، أي، الصراع من اجل الحقيقة التاريخية .

من هذا التمايز، دخل المفكر “مهدي عامل” الى مختبر تشريح”مسألة الطائفية في لبنان”. متناولا المفهومين: البرجوازي ونقيضه الثوري.

في تشريحه للمفهوم البرجوازي عام 1986، حلل “مهدي”- كأنه يحلل اليوم، الآن- بنية وطبيعة الطبقة البرجوازية اللبنانية التي رأت انه في خلق توازن نظام حكم الطوائف ـ تقوم دولتها، وتدوم به، فإذا اختل، تهددت الدولة، او تفككت، فتعطل دورها في إدارة مصالح الطوائف وتأبيد حكمها. عندها يدخل المجتمع في ازمة تعايش بين الطوائف: إما استقلال لكل طائفة بحكمها الذاتي؛ وإما عودة الى المشاركة. واستخلص مهدي ان تحديد “الطائفة” في المفهوم البرجوازي انها كيان مستقل في ذاته، متماسك بلحمته الداخلية، لذا وصل الى قناعة أن العلاقة بين الطوائف علاقة خارجية، ولا وحدة بينها سوى ما تقيمه الدولة من أطر لتعايشها السلمي.

هذا التحليل أصاب في الصميم. فالطبقة البرجوازية الطائفية لم تبدل تبديلاً، قبل وبعد، إتفاق الطائف 1989، والتحرير عام 2000، وإنقسامها الى كتلتين آذاريتين 2005، وإنتصار تموز 2006، وبعد حكومة الوحدة الوطنية، وبعد الانقلاب على بعضها وتبدل الاكثريات، ولحد مناكفاتها وخلافاتها حول تشكيل الحكومة المفترضة وتداعيات ذلك على الوطن والمواطن. لأنها طبقة برجوازية تبعية طائفية، لا تملك صفة من صفات البرجوازية الوطنية الثورية. وبالتالي لن تـُقدم على بناء دولة وطنية.

اما “الطائفية” في المفهوم النقيض، فحدده بالشكل التاريخي للنظام السياسي الذي تمارس فيه البرجوازية سيطرتها الطبقية، بمعنى تحديد التناغم بين هذا النظام السياسي، وبين شكله التاريخي- الطائفي، وعلاقة التلازم البنيوية القائمة بينهما.

من هنا، خلٌص، الى المفهوم القائل بأن “الشكل الطائفي” ممكن له إقامة دولة برجوازية، لأن هذا الشكل ، يسمح للبرجوازية بالتحكم في مجرى الصراع الطبقي عن طريق ابقاء الطبقات الكادحة فيه أسيرة علاقة من التبعية الطبقية، وهي بالتحديد علاقة تمثيل طائفي تربط الطبقات بممثليها الطائفيين من البرجوازية اللبنانية ربطاً تفقد به وجودها السياسي كقوة مستقلة، لتكتسب وجوداً آخر، هو وجودها كطوائف. بحيث تفقد الطبقة الكادحة قوتها الطبقية المناهضة للبرجوازية. وهذا ما يوفر للبرجوازية ديمومة السيطرة الطبقية، عبر تأمينه التجدد لنظامها الطائفي (أكان من خلال قانون الانتخاب، الأحوال الشخصية، التعليم، الثقافة…الخ) الذي هو أساس في نظام سيطرتها الطبقية الطائفية. وأساس لوجودها كدولة طبقية برجوازية.

تطرق “مهدي” الى الحلول، وفند الحل تلو الآخر، من وهمية “المشاركة” الطائفية في السلطة التي يستتبعها استحالة قيام الدولة. ثم وهمية التوزان الطائفي، الى أي إصلاح يقوم على تنازل طائفة مهيمنة لطائفة مغبونة، أو حتى الإصلاح الذي تبادر اليه البرجوزاية من موقع قوة في علاقتها بنقيضها الطائفي ومن موقع وجودها في السلطة. وأستخلص أن الاصلاح الحقيقي هو الذي تفرضه على البرجوازية القوى الثورية المناهضة لها.

الشهيد مهدي عامل، بحث ثم اعاد البحث في عمق حركة التناقضات، وهو يجدُ في أبحاثه النظرية ومخاطراته المعرفية العلمية، سأل، قبل لحظات من اغتياله في الثامن عشر من أيار عام 1987، هل نحن في زمن الإنتقال من مرحلة الى مرحلة .. لكننا لم نسمع بعدها جوابه القطعي، كما لا يستطيع هو أن يسمع جوابنا العملي اليوم، لأن الفكر الطائفي خاف يومها مما سيحمله الصراع الطبقي من إجابة صحيحة على السؤال، فقطع الطريق على سيرورة الجواب، وصيره باتجاه آخر هو اتجاه طمس حقيقته. وهذا بالتحديد ما كشفه، وهذا ما برع في تفنيده للنصوص التي فككها، وأعاد تركيبها، بلغته وأسلوبه، ونقده الثوري، ومن خلفية فكر ماركسي ينتج الواقع في إنتاج هذا الواقع له. فأقام ثورة في الفكر التحرري، وتفاءل بالمرحلة والحزب والمقاومة والنضال الوطني.. لكن ثورة الفكر المضادة كانت له، وقبله، لشيخ “النزعات المادية في الفلسفة العربية – الاسلامية” المفكر حسين مروة، ولحزبهما الشيوعي بالمرصاد.

الدكتور حسن حمدان الاكاديمي الجامعي ، المفكر” مهدي عامل”، المناضل الشيوعي والمقاوم الوطني والقومي والاممي الرفيق “طارق”. هو ذاته، جسّدَ في كتاباته فكره الثوري، ومارس في نضاله ثوريته الفكرية. بإختصار، هو نموذج المثقف الشيوعي الثوري الذي لا بد منه في زماننا هذا. الزمن المنفتح على تفاؤل المرحلة المفعمة بالثورات الشعبية العربية، لكن بغياب القيادة الثورية لحركة التحرر الوطني العربية.

رفيق “طارق” أعذر، غفوتنا المؤقتة. وصبراً علينا، فأنت لم تحجب الحقيقة الثورية يوماً، وحزبك الشيوعي على درب الفكر والنضال لسطوع شمس هذه الحقيقة ذاتها، ودوما.